إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. . . . أما بعد.
سبق أن تحدثنا في عن استخدام العنف والضرب في تربية الأبناء وقلنا أ أنهما ليسا الوسيلة المثلى لتربية الأبناء وأن هناك شبه إجماع على فشل تلك الطريقة في التربية وأنها تؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية.
وقلنا أن الشريعة الإسلامية قد وضعت نموذجا متكاملا لتنشئة وتربية الأبناء وهو النموذج الذي ربى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام الكثير من الصحابة وتربى عليه الكثير ممن سبقونا والمتمثل في التدرج في التربية من التعليم والصبر الى التأديب الى المصاحبة والحوار وهذا ما نتحدث عنه اليوم.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) (رواه أبو داود وقال الألباني: صحيح
ومما يروى في الأثر عن تربية الأولاد "لاطفه سبعًا، وأدبه سبعًا، ثم صادقه سبعًا، ثم أطلق له الحبل على الغارب بعد ذلك"
وقال الإمام على بن أبي طالب "كرم الله وجهه": " ربوا أبنائكم لجيلهم فإنهم قد خلقوا لجيل غير جيلكم"
ومن جماع هذه الأدلة وغيرها استخلص علماء الشريعة والإجتماع وعلم النفس عدة فوائد تربوية آتت بها الشريعة واضحة جلية وتناولها بالتجربة الكثير ممن سبقونا واعتبرها الكثير من علماء العصر الحديث منهجا تربويا متكاملا للتربية وتعد وبحق النموذج الامثل والمنهج الرشيد في التربية وهي:
1- فيها الأمر بالصلاة ومثله سائر العبادات والعادات والآداب منذ الصغر، تعويداً للطفل وتهيئته لفعل العبادات والتقيد بالآداب وتمريناً له.
2- فيها أن الأمر بالعبادات والتربية على وجه الوجوب والحث عليها للأطفال يكون من سن السابعة.
3- فيها أن أيّ أمر يريد المربي للطفل عمله والتحلي به أو التخلق به يسبقه بالأمر.
4- فيها أن الضرب آخر العلاج.
5 - فيها أن أساليب التربية تتفاوت بتفاوت السن.
6- فيها الحث على الصبر في الأمر وعدم الفتور، والاستمرار على الأمر، فمن سن السابعة إلى العاشرة ثلاث سنين كما في النصوص.
7- فيها أن من سن السابعة إلى العاشرة أبداً لا يكون فيه الضرب، فإن الصلاة من أعظم ما أمر الله من العبادات، ولم يكن الضرب إلا في العاشرة.
8- فيها حسن التربية والحكمة فيها.
9- فيها أن فائدة الضرب بعد طول الأمر أبلغ في الزجر.
10- فيها التنبيه على وجوب الأمر من قبل الولي أو المربي.
11- فيها الحكمة البالغة لهذا الدين وشموليته واهتمامه بالفرد منذ طفولته.
12 - فيها الرد على المتأثرين بالغرب الذين ينكرون الضرب مطلقاً ويقولون بأنه وسيلة فاشلة.
13- فيها أن الضرب وسيلة ناجحة إذا كانت بالضوابط الشرعية.
14- فيها أن التقيّد بهذا الأمر هو السنة وخلافه خلاف السنة.
15- فيها أيضاً أن ما قبل العاشرة الأمر والتوجيه فيه أبلغ في التربية.
وقد ذكر العلماء ضوابطاً للضرب في الإسلام وتلك الضوابط جعلت الضرب وكأنه غير موجود وتلك الضوابط هي:
1- أن يكون الضرب على قدر الحاجة وألا يكون مبرحاً.
2- ألا يكون الضرب مؤذياً للطفل نفسياً وجسدياً.
3- ألا يضرب وهو في حالة الغضب حتى يدرك ما يفعل.
4- يجب التنبه على أن الضرب للتأديب والتهذيب لا للانتقام والتعذيب.
5- اختيار المكان المناسب بحيث ألا يكون أمام الناس.
6- ألا يضرب في الوجه والرأس وفي الأماكن القاتلة والمؤذية.
وتلك الضوابط في النهاية تجعل الضرب ضربا خفيفا وتقلل من استخدامه وتحد منه تماما بإستخدام تلك الضوابط وتجعله في النهاية كالعدم.
لو طبقنا تعاليم الإسلام لكنا أفضل الأمم على وجه الأرض، والأبناء والشباب أمانة ومسؤولية في أعناق الآباء والأمهات، وفي أعناق المربين، فالطفل شجرة صغيرة تنمو وتترعرع وإما أن تكون مثمرة
وإما أن تكون جرداء خاوية، وكل يتمنى أن يكون ولده شاباً قوياً نافعاً، يحمل رسالة ويبني حضارة وينفع أمته وبالضرب والعنف لا يصلح أن يكون كذلك، ولاشك أن كل أب يتمنى لابنه النجاح في دراسته.
فهو دائماً يدعو الله بتوفيقه ولا جدال في ذلك ولكن بجانب ذلك لابد أن يخلق شاب أيضا قادر على توظيف علمه هذا في خدمة دينه وأمته وإلا فلا قيمة له.
ونحن في هذا العصر في أشد الحاجة إلى جيل قوي الإيمان ثابت على الحق، ويحمل لواء الإسلام، ويدافع عنه بكل طاقته فعلا لا قولا فقط، فليس المقصود بالتربية التعليمية فقط بل تربية دينية وأخلاقية وعقلية نفسية فالإسلام منظومة شاملة تبدأ مع الإنسان من قبل وجوده في الدنيا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الكاتب: أ. محمود عبد المجيد أبو العلا.
المصدر: موقع المستشار